كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويرى بعضهم كإمام الحرمين قصره على المدخول بها، ونحيلك هنا على ما ذكرناه عند الكلام على المختارات، لتقف على أرجح الأقوال في ذلك.
وقد عرض المفسّرون أيضا إلى البعدية من قوله تعالى: {منْ بَعْده أَبَدًا} هل هي بعدية الوفاة، أو بعدية الفراق مطلقا. وما دام أنه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يثبت أنّه طلق أحدا من نسائه من طريق صحيح، وحتى التي قيل: إنها اختارت الدنيا قيل: إنها جنّت، وقد منعه اللّه من أن ينكح أزواجا بعد اللائي كنّ معه، وأن يطلقهن ليتزوج غيرهن.
فما نرى معنى لهذا الذي خاض فيه المفسرون، ونرى أنّ البعدية بعدية الوفاة.
وأما الكلام في حلّ المطلقة، ومن فسخ نكاحها فهو كلام مبني على الفرض والتقدير، ولا شأن للآية به، وإن كان لنا أن نقول شيئا فذلك أنّ إضافة البعدية إلى ضميره صلّى اللّه عليه وسلّم ظاهر في بعدية الوفاة. وأيضا فإنّ منع المؤمنين من نكاح أزواجه إنما هو لكفّ الأذى عنه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأي أذى يلحقه من أن تنكح امرأة نبذها، ولم تنل شرف أمومة المؤمنين. إنّ منع زواجها فيه أذاها هي، ولا يليق أن يكون مقصدا من مقاصد الشريعة إلحاق الأذى بالناس، على أنّ منعها من الزواج فيه تسوية بينها وبين من نلن رضاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، واللازم عدم التسوية.
{إنَّ ذلكُمْ كانَ عنْدَ اللَّه عَظيمًا} اسم الإشارة راجع إلى إيذاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ونكاح أزواجه من بعده.
قال اللّه تعالى: {إنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإنَّ اللَّهَ كانَ بكُلّ شَيْءٍ عَليمًا (54)} لما كان مقام البيوت خصوصا بيوت النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يقتضي حيطة شديدة، حتى يكون الامتثال للأحكام الواردة فيه يتفق فيه الظاهر والباطن، أعقب اللّه الآيات الواردة فيه بما يجعل الناس في تمام اليقظة، وعلى أشد ما يكون من الحذر، ذلك أنه نبههم إلى أنّ علمه قد أحاط بخفيات النفوس، فضلا عما يظهر منها، وذلك تهديد شديد يقطع ما يخالج النفوس من الوساوس، وما يحيط بها من دوافع الشهوات، فيعمل الناس على الإقلاع عن مجاراة الوساوس، واستئصال نوازع الشهوات، فإنّ اللّه مطّلع على ما ظهر وما خفي، ومجاز كلّ إنسان بحسب ذلك العلم، ومن ذا الذي يستطيع بعد هذا أن تحدثه نفسه بالدنو من الأذى، واللّه القادر على الجزاء قد أحاط بكل شيء علما.
قال اللّه تعالى: {لا جُناحَ عَلَيْهنَّ في آبائهنَّ وَلا أَبْنائهنَّ وَلا إخْوانهنَّ وَلا أَبْناء إخْوانهنَّ وَلا أَبْناء أَخَواتهنَّ وَلا نسائهنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقينَ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهيدًا (55)} قد فهم مما تقدّم أنّ على نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن يحتجبن عن الرجال، ولا يظهرن عليهم، وقد يفهم النصّ على عمومه، فيتناول أقرب الناس إليهنّ، وفي ذلك ما فيه من حرج، بل قد يكون فيه قطع الرحم التي أمر اللّه أن توصل، فجاءت هذه الآية الكريمة لبيان الأقارب الذين لا يحرم ظهور نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمامهم من غير حجاب.
وقد ذكر اللّه من ذلك ستة أصناف هم: الآباء، والأبناء، والإخوان، وأبناء الإخوان، وأبناء الأخوات، والنساء المضافات إليهن، وما ملكت أيمانهنّ.
وقد بقي من المحارم: الأعمام والأخوال من غير ذكر، وقد ذهب العلماء في ذلك مذاهب:
فمنهم من يرى أنه اكتفي عنهم بذكر الآباء، وقد جرى العرف بإطلاق الأب على العم والخال.
ومنهم من رأى أنّ في ذكر أبناء الإخوان رمزا إلى قرابة العمومة، وفي ذكر أبناء الأخوات رمزا إلى قرابة الخئولة، وذلك أن من يكون ابن أخي المرأة تكون المرأة عمته، ومن يكون ابن أختها تكون هي خالته.
وعجب أن يرى بعض العلماء أنّ عدم التنصيص على الأعمام والأخوال يقتضي وجوب الاحتجاب منهم، ويذهب في التعليل مذهبا أعجب، فيقول: إنّ الأعمام والأخوال لو اطلعوا على النساء فربّما وصفوهنّ لأبنائهم؟
يا هؤلاء! أنتم تتكلمون في نساء متزوجات، هن أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فهل يريد العم أن يفسد ابنة أخيه على زوجها- وهو المصطفى- ليزوجها لابنه، وهل تقولون:
إنّ الحكم كذلك في سائر النساء، ولا تعدون الأخوال والأعمام محارم في حق النظر، أو تقولون إن ذلك خاص بنساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم؟! وإذا كان خوف الوصف يصلح علّة للحجاب، فالوصف ممكن في الجميع، لا للأقارب فحسب، بل للأجانب، فكلّ من أبحتم له النظر يمكن أن يصفها لكل من تحلّ له، سواء أكان قريبا أم أجنبيا، والعمة والخالة تريان من المرأة كل شيء إلا العورة، ويمكن أنّ كلّ واحدة منهما تصف لابنها ما رأت من ابنة أخيها أو من ابنة أختها.
وكيف يمكن أن يكون إمكان الوصف علة في الحجاب، وقد أباح النبي صلّى اللّه عليه وسلّم نظر المرأة لمن أراد أن يخطبها وقال: «انظر إليها، فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما».
وقد اختلف العلماء في تعيين المراد من النساء في قوله تعالى: {وَلا نسائهنَّ} فروي عن ابن عباس ومجاهد أنّ المراد منهنّ المؤمنات، وتكون إضافتهن إليهن باعتبار أنهن على دينهن، ويكون ذلك دليل احتجاب نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الكافرات.
ويرى بعضهم أنّ المراد منهن النساء القريبات، وتكون إضافتهنّ إليهن لمزيد اختصاصهن بهن، لما لهنّ من صلة القرابة، وكذلك من يكون من النساء مضافا إليهن لأي صلة أخرى، كالمتصرفات الخادمات.
وأما ما ملكت الأيمان فهو بظاهره، ويعمّ الذكور منهم والإناث، وتخصيص بعض العلماء له بالإماء يحتاج إلى دليل يدلّ على أنّ المرأة تحتجب من عبدها، ويبقى ظاهر الآية معمولا به حتى يقوم الدليل.
وقد تكلم بعضهم بعد ذلك في دخول المكاتب، وعدم دخوله، وهو رقيق ما بقي عليه درهم، فمن نظر إلى هذه الجهة قال: إنّ الآية تتناوله بظاهرها، وإخراجه يحتاج إلى الدليل، ومن نظر إلى أنّ اللّه إنما أباح الظهور للعبد لحاجة المرأة إلى خدمته، ومن حيث إنه حرّ يدا، وهو مشغول بسعيه في أداء بدل الكتابة، فهو لا يقوم بخدمة سيدته، ومن أجل ذلك لا يوجد المعنى الذي من أجله رفع الجناح في العبيد، فلا يكون مما تتناوله الآية.
{وَاتَّقينَ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهيدًا} لما كان أمر الحجاب عن الأجانب، والترخيص في تركه للأقربين المحارم يحتاج إلى كثير من الحذر والتقوى، فقد يجر دخول الأقارب بيوت الأزواج إلى مفاسد ومنغّصات، وقد يكون في الكلام مع الأجانب من وراء الحجب ما لا يقل عن تلك المفاسد. وتلك أشياء قد ترتكب مع التظاهر بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، وليس من علاج لهذه الحال، إلّا أن يلزم النساء خشية ربهنّ وتقواه.
وجه اللّه الخطاب للنساء بعد أن كان الحديث عنهنّ حديثا عن الغائبات، حتى يكون لهنّ من علمهن بمراقبة اللّه وعلمه ما قد تنطوي عليه نفوسهن وقاية ودرعا يقيهن من الوقوع في مهاوي الفساد. وانظر كيف عقّب اللّه أمرهنّ بالتقوى بقوله: {إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلّ شَيْءٍ شَهيدًا} يعلم علم شهود وحضور ومعاينة، فيجازي على ما يكون، وفي ذلك منتهى التحذير من مخالفة الأوامر والنواهي، ولقد بلغ من المبالغة في تكريم أزواج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أن قال بعض العلماء بحرمة نظر نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم وهنّ مستترات. قال القاضي عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهنّ بلا خلاف في الوجه والكفين، فلا يجوز لهنّ كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن وإن كنّ مستترات إلا ما دعت إليه ضرورة. واستدلّ لذلك بما روي أنّ حفصة لما توفي عمر رضي اللّه عنه كان يسترها النساء أن يرى شخصها. ويرى ابن حجر بحق أنّ ذلك إن صحّ فلا دلالة فيه.
وقد كان نساء النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يؤدين الحج بعد وفاته.، ويطفن بالبيت، ويسعين بين الصفا والمروة، ولو قيل: إنّ الستر وعدم النظر إلى الشخوص أفضل ومندوب لكان شيئا يصح أن يصار إليه، ويشهد له ما روي أنّ عمر رضي اللّه عنه أمر يوم وفاة زينب بنت جحش ألا يشهد جنازتها إلا ذو رحم محرم منها، عملا بالحجاب، فدلته أسماء بنت عميس على سترها في النعش بقبة تضرب عليها، وقالت: إنها رأت ذلك في بلاد الحبشة، فصنعه عمر.
قال اللّه تعالى: {إنَّ اللَّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيّ يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْه وَسَلّمُوا تَسْليمًا (56)} قد بين اللّه تعالى فيما سبق أنّ شأن المؤمنين ألا تكون منهم أذية للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك بعث على تكريمه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحياطة لمقامه الشريف، وهنا بيّن اللّه تعالى أنّ اللّه يكرم نبيّه على وجه التأكيد، فكان ما هنا بمثابة العلة لما قبله، فكأنه قيل: ما كان لكم أن تؤذوه، لأنّ اللّه يصلّي عليه والملائكة، وما دام الأمر كذلك فهو لا يستحق إلا الإكرام والتمجيد، وأكّد الخبر اهتماما به، وجيء به جملة اسمية لإفادة الدوام، وكانت الجملة اسمية في صدرها فعلية في عجزها للإشارة إلى أنّ هذا التمجيد الدائم يتجدّد وقتا فوقتا على الدوام.
وقد ذكر في الآية أنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمر المؤمنين بأن يصلوا عليه، وبأن يسلّموا تسليما. وقد عرض المفسّرون لبيان معنى صلاة اللّه على نبيه، وصلاة الملائكة عليه، وكذا صلاة الخلق وتسليمهم. ونحن متابعوهم فيما قالوا.
فقيل: الصلاة من اللّه على نبيه ثناؤه عليه وتعظيمه، هو مروي عن البخاري عن الربيع بن أنس، ثم تعظيم اللّه له في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دينه، وإبقاء العمل بشريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وإجزال الأجر والثواب له، وإعطائه المقام المحمود. وهل من الملائكة الدعاء له. وقيل: هي من اللّه الرحمة، ومن الملائكة الدعاء.
وعلى القولين: فالصلاة من اللّه غير الصلاة من الملائكة، وقد عبّر عنها بلفظ واحد أضيف إلى واو الجماعة {يُصَلُّونَ} فمن ذهب إلى منع الجمع بين الحقيقة والمجاز ذهب إلى أنّ في الآية حذفا تقديره هكذا: إنّ اللّه يصلّي، وملائكته يصلون، فتكون واو الجماعة خاصّة، وذهب بعضهم إلى أنّ تعدّد الفاعل مؤذن بتعدّد الفعل، فيكون الفعل مسندا إلى كلّ من الفاعلين.
وذهب جماعة إلى القول بأنّه من باب عموم المجاز، لا من الجمع بين الحقيقة والمجاز، فيقدّرون معنى مجازيا عاما، ينتظم أفرادا كثيرة، ويكون كلّ فرد منها فردا حقيقيا من أفراد المعنى المجازي للعام، ويقولون: إنّ هذا المعنى العام هو الاعتناء بالمصلّى عليه، وهذا الاعتناء له أفراد، فهو يكون من اللّه على وجه، ويكون من الملائكة على وجه آخر.
وأما صلاة المؤمنين عليه، فهي تعظيمهم لشأنه، وذلك يكون بوجوه كثيرة: منها الدعاء له باللفظ الوارد في ذلك، وقد جاءت كيفية الصلاة عليه من المؤمنين من طرق كثيرة، وفيها صور من الصلاة مختلفة، واختلافها يشعرك بأنّ الغرض ليس تحديد كيفية خاصّة، وإنما هي ألوان من التعظيم، وسنقتصر على بعض ما صحّ من هذه الكيفيات لأنّ استيعابها يطول.
روى الشيخان وغيرهما عن كعب بن عجرة رضي اللّه عنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قل اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد».
وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وغيرهم عن أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول اللّه كيف نصلّي عليك؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قولوا: اللّهم صلّ على محمّد وأزواجه وذريّته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمّد وأزواجه وذريّته، كما باركت على آل إبراهيم، إنّك حميد مجيد».
وأخرج الجماعة عن أبي سعيد الخدري قلنا: يا رسول اللّه هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: «قولوا: اللهم صلّ على محمّد عبدك ورسولك، كما صلّيت على إبراهيم، وبارك على محمّد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم».
وهناك روايات أخرى دون هذه في الصحة، وتخالفها بالزيادة والنقص في مواضع كثيرة، وما دام المراد تعظيم النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فأيّ عبارة تكون واردة من طريق صحيح كان لك أن تأخذ بها.
وأما التسليم: فقد قيل: إنّ المعنى أن اللّه أمر المؤمنين أن يقولوا السلام عليك يا رسول اللّه، وقد اختلف في معنى السلام عليك فقيل: إنّ معناه دعاء له بالسلامة من الآفات والنقائص أن تحيط به وتلازمه.
وقيل: بل السلام اسم من أسماء اللّه، ومعنى كونه عليه: أنه حافظه، حتى إن بعض من قال بهذا قال: إنّ الكلام على حذف مضاف، والتقدير حفظ السلام عليك.
وقيل: بل السلام الانقياد وعدم المخالفة، ومعنى كونه عليك: ملازمته، وهو حينئذ دعاء للمسلم عليه بانقياد الناس له انقيادا ملازما بحيث لا يخالفونه.
قالوا: إنما أكّد التسليم بالمصدر، ولم يؤكد الصلاة، لأن الصلاة قد قرنت بما يؤكدها، وهو الإخبار بأنّها تكون من اللّه ومن الملائكة، فكان ذلك أبعث على أن تكون من الناس.
وخص المؤمنين بالتسليم، لأنّ الآية وردت بعد الكلام في أذية النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، والأذية المحدّث عنها إنما تكون من البشر.
وقيل: بل صلاة اللّه مشتملة على تسليمه، وأما صلاة الناس فلا تشتمل عليه، فلذلك طلب التسليم منهم.
ويكاد العلماء يجمعون على وجوب الصلاة والتسليم عليه مرّة في العمر، بل لقد حكى القرطبي الإجماع على ذلك، وذلك عملا بما يقتضيه الأمر صَلُّوا من الوجوب، وتكون الصلاة والسلام في ذلك ككلمة التوحيد، وذلك أنك تعلم أنّ الصحيح أنّ الأمر لا يقتضي التكرار، وإنما هو للماهية المطلقة عن قيد التكرار والمرّة، وحصوله بالمرة ضرورة من ضرورات الحصول.
وذهب بعضهم إلى القول بوجوب الصلاة والتسليم في التشهد، وقيل: هي واجبة في الصلاة من غير قيد بمكان. وقيل: يجب الإكثار منها من غير تقيّد بعدد، وقيل: تجب في كل مجلس مرة ولو تكرر ذكره فيه، وقيل: تجب كلما ذكر.
ولعل هذا القول من قائليه مبنيّ على أنّ الأمر يفيد التكرار، ولعلهم يستدلون بالأحاديث الترغيبية والترهيبية الواردة في فعلها وتركها، وأنت لو اطلعت على هذه الأحاديث لفهمت من صيغتها أنّها لمجرد الترغيب، وأنّها ككل الحسنات تتضاعف، انظر إلى قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: «من صلّى عليّ واحدة صلّى اللّه عليه عشرا» و«من صلّى عليّ عشرا صلّى اللّه عليه مائة» فإنك واجد أنّه متفق مع قوله تعالى: {مَنْ جاءَ بالْحَسَنَة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالها} [الأنعام: 160] وما قال أحد إلا أن هذا ترغيب في الإحسان.
وعلى كلّ فالآية لا دلالة لها إلا على الوجوب مرة، فمن زاد على هذا فعليه الدليل، ونحن لما يدل عليه ملتزمون.
وأخيرا فليلتمس القائلون بغير ما تدل عليه الآية دليلهم في غيرها، فإن قام دليل على وجوب الصلاة والسلام في التشهد وجب، وإن دلّ على ختام الصلاة وجب، وإلا فالآية بمنأى عن هذا كله.
قال اللّه تعالى: {إنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ في الدُّنْيا وَالْآخرَة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذابًا مُهينًا (57)} هذا عود إلى تأكيد النهي عن أذى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد الأمر بالصلاة والتسليم عليه اقتضته العناية الكاملة بشأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد قيل: إنّ المراد بأذى اللّه ورسوله ارتكاب ما لا يرضيانه من الكفر والعصيان، وقيل: بل إيذاء اللّه تعالى: ما يكون من قبيل قول اليهود والنصارى يد اللّه مغلولة، والمسيح ابن اللّه، وعزير ابن اللّه، وجعل الأصنام شركاء للّه، وإيذاء الرسول: انتقاصه بوصفه بالشّعر والسّحر والجنون. وقيل: إيذاء الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم المراد هنا هو ما كان من طعنهم في نكاح صفية بنت حيي، إلى غير ذلك، ولا مانع أن يكون كلّ ذلك مرادا.